الأحد، 19 سبتمبر 2010

الأب الخفيّ بقلم مروة صبري

في الحضانة، سألت المدرسة الأطفال "ماذا تريدون أن تكونوا حين تكبرون؟" انطلقت يد طفلة في الهواء:"أريد أن أكون فتاة قوّة!" بينما قفز ولد من مكانه و قال:"أنا أريد أن أكون سوبر مان!" بالأمس كنا نسمع :"أريد أن أكون مثل أبي ،أو أريد أن أصبح مثل أمي". أما الآن فهناك آباء آخرون وراء الشاشة يقتدي بهن أبناؤنا.


لقد أصبح التلفاز جليسة أطفال متوفرة و موّفرة و مسليّة، فلا يكاد المشاهد الصغير يمل منها فهو يقلب من قناة لأخرى دون رقيب في كثير من الأحيان . و لكن مع الأسف، هذه الجليسة آخر ما تفكر فيه هو مصلحة أبنائنا حتى في أفلام الرسوم المتحركة، اللهم إلا القليل. فالطفل المصري يقضي في المتوسط 28 ساعة أمام الشاشة أسبوعياً أىّ أكثر من يوم يضيع أمام التلفاز و تزداد هذه الفترة في العطلات. فلنرتدي نظارة كارتونيّة لدقائق و نزن من خلالها جدوى هذه البرامج الموجهة لأطفالنا.

ينصح العلماء المختصون بشئون الطفل أن نجنب الأطفال دون سن الثالثة مشاهدة التلفاز مطلقاً. فقد وجدت دراسة قام بها د. ديمتري كريستاكيز، مدير معهد صحة الطفل بمستشفى الأطفال و المركز المحلى للدراسات بواشنطن، أنّ فى عينة قوامها ألفىّ طفلاً أنّ كل ساعة يقضيها الأطفال ما بين السنة و الثلاث سنوات أمام التلفاز تزيد من احتمالات تعرضهم لنقص الانتباه بنسبة 10% و الذى لا تتضح أعراضه إلا فى السابعة من العمرمما يؤثر على تحصيلهم الدراسي. فما بين عام و ثلاثة أعوام ينمو المخ بسرعة فائقة . و مما يساعده على النمو السليم هو الاحتكاك مع الناس من حوله و التلفاز يحد من فترة هذا الاحتكاك. كذلك فإنّ عقل الطفل يحلل كل ما يراقبه و يستخلص منه معلومات تساعده في التعامل مع البيئة المحيطة، فإذا وضعناه أمام التلفاز و خاصة الكارتون لسرعة تلاحق مشاهده،فنحن نصب للعقل كماً هائلاً من المواقف و المعلومات و لا ندع له وقتاً لتفهمها و تحليلها مما يبرجل المخ و يعجزه عن النمو الطبيعي.

يقيّم الطفل ما وراء الشاشة واقعياً كان أم خيالياً من خلال معرفته لعالمه و لعالم التلفاز. ففي الثالثة من العمر، يتعلم الطفل أنّه لا يمكنه التحكم فيما يعرض وراء الشاشة. و ما بين الثالثة و الرابعة، يدرك أنّ عالم التلفاز مختلف عن عالمه و مع ذلك فهو يقلدما يراه في هذه النافذة السحريّة و يتعلم من أبطالها.

تقول مروة عفيفي معلمة بمرحلة الحضانة و أم لطفلين:" أرى الأطفال يحبون أن يلبسوا مثل أبطال الكارتون و يتشبهون بهم كرجل العنكبوت أو سبايدر مان،و باتمان،و سندريلا، و الأميرة النائمة، و غيرهم، و في رأيي أنّ هذه الشخصيات هىّ مصدر سعادة للطفل و لكن المشكلة تظهر إذا ما قلد الأطفال الأخطاء التي يرونها. فقد رأيت من الأولاد من يحاول تقليد الأمير في الأميرة النائمة و من البنات من تتقمص شخصيتها."

إنّ أفلام الرسوم المتحركة و التي تستقبل بيوتنا جلها من الغرب، تتجاهل في كثير من الأحيان قيّم مجتمعاتنا الدينية و الاجتماعية بل و قيّم المجتمعات الغربية أيضاً. ففي قصة عروس البحر، و الأسد سيمبا ، نجد أن تجاهل أوامر الكبار هو ما جعل من هذه الشخصيات أبطالاً. فأين طاعة الوالدين و احترام الكبير و العطف على الصغير في هذه الأفلام؟

الكارتون و العنف

كثير من أفلام الرسوم المتحركة تعلم مشاهديها الأبرياء أنّ العنف هو الحل الأمثل للتعامل مع المشكلات. فالطفل يرى الفتوّات لا يعاقبون على أخطائهم و لا يندمون أو حتى يتحملون أىّ توابع و إذا لم يحضرك مثال لذلك فاسترجع حبكات المسلسل الشهير توم و جيري. فالعلاقة بين القط و الفأر لا يشوبها السلام إلا قليلاً أما الأصل فهما إمّا يستخدمان آلات حادة ،أو متفجرات ثمّ يقوم كل بطل في المشهد التالي كأنّ شيئاً لم يكن. مثال آخر هو مسلسل أبطال القوّة. ففي خلال ساعة واحدة، يتعرض الطفل لمائتيّ حركة عنف، حتى أنّ كندا منعت عرضه في منتصف التسعينيات و لكن للأسف فما زال بمقدور الطفل الكندي أن يتابعه عن طريق البث الأمريكي. و يا حسرة على الطفل العربي المتروك بلا رقيب وكثير من الآباء مطمئنون أنّه مجرد كرتون أطفال.

إنّ تأثر المشاهد بالعنف على الشاشةً أصبح من المسلمات. فكل الدراسات التي عنيت بالأمر منذ سبعينيات القرن السابق وجدت علاقة طردية بين العنف في التلفاز و العنف في سلوك الأطفال المتفرجين اللهم إلا ثماني عشرة دراسة. احدى الدراسات التي قام بها عالمان من جامعة ستانفورد الأمريكيّة هما ألبرت باندورا و روس بلورت هذا التأثير. فقد أخذ العالمان مجموعتين عشوائيتين من الأطفال و وضعا مجموعة "أ" في غرفة و عرضا فيلماً لبنت تضرب دمية. و وضعا مجموعة "ب" في غرفة أخرى و عرضوا فيلماً لبنت تلعب حفل شاىّ مع نفس الدمية. بعد عرض الفيلم، أعطيّ للمجموعتين دميتان كالاتي رأيناها في الفيلم فبينما ضربت المجموعة الأولى عروستها، لعبت المجموعة الثانية بلطف مع نفس العروسة.

ميرال مأمون، طبيبة و أم لأربع أطفال تضع قوانين لمشاهدة التلفاز داخل بيتها، "أنا و زوجي قدوة لأولادنا و نحن نتأكد ألّا يحتل أحداً مكاننا. أنا لا أدع أولادي يشاهدون الكارتون إلا فى العطلة الأسبوعية و أنتقي ما يشاهدونه و أفحصه فأعرف بالضبط ما يتعرضون إليه. إنّ أولادي ككثير من الأطفال، يتعلقون بالشخصيات الكارتونيّة و لكنّي أتأكد من أن تظل هذه الشخصيات وراء الشاشة فلا تصاحبنا في حياتنا."

تصريح غير متعمد

سئلت ملك (ثلاث سنوات)، و من المعجبين بدورا المكتشفة، "لماذا تحبين دورا؟" أجابت: "أحب دورا لأنّي أحبها جداً." فالأطفال لا حيلة لهم إلا التعلق بمن يشاهدونه. إنّ سجيتهم و فضولهم البرئ هو الذي يربطهم بكل من يشبع شغفهم للمعلومات، نافعة كانت أو ضارة. و بدون تعمد من الآباء،يعطون تصريحاُ لصناع الإعلام بتفتيح أعين أولادهم على موضوعات يعتقد أولياء أنهم وحدهم يملكون حق تقرير الأسلوب و التوقيت الأمثل لمناقشتها. فالكارتون الغربي أحياناً ما يعرض لعيد الحب أو الفلانتاين مما يحمله من ترويج لفكرة الحب المبكربين الأولاد و البنات. إنّ تعرض الأطفال لبعض المواد قبل أوانهم و بدون حريص يوجههم، من شأنه أن يذيب الخط الفاصل بين الحلال و الحرام و بين الصواب و الخطأ. و طريقة رسم الشخصيات الكارتونية يخدعنا ككبار. فشكلهم البرئ يجعلنا نتغاضى عن سلوكياتهم السلبيّة أحياناً. على سبيل المثال، أثبت العلم بما لا يدع مجالاً للشك أنّ التدخين ضار جداً بالصحة ،و مع ذلك نجد الشخصيات الكارتونية تدخن و لكن و لسبب ما خاص بالرسام، فالأشرار يدخنون سجائر عادية في حين يفضل الطيّبون الغليون مثلما في 101 دالميشن.

هل كل الرسوم المتحركة الغربية سيئة؟

مما لا شك فيه أنّ ليست كل الرسوم المتحركة سيئة بل بالعكس فهناك عروض قريبة من الطفل تتعرض لمواقف و مشاكل واقعيّة و حلولها غالباً ما تكون واقعيّة أيضاً حتى للطفل العربي. و لكن على الآباء تحري أوقات عرضها كدبب البرنستين و فرانكلين و دورا المكتشفة,و كايّو.هذه الشخصيات يمكن أن تكون بمثابة أدوات لترفيه و تعليم الأطفال. هذه العروض، تدعمها قناةPBS التابعة للحكومة الأمريكيّة و التي تنتقي ما يعرض فيها ليتلاءم مع رسالتها التعليميّة الموجهة.

تقول ليندا سيلفياس، أحد مؤسسي مشروع "كورنرستون" أو "حجر أساس"، و هو مشروع تربوي لأطفال الولايات المتحدة "إذا قدمت الرسوم المتحركة صورة إيجابية للطفل عن نفسه و عن الكبار حوله فلن ينتج إلا آثارا إيجابية عند الطفل أما الصور السلبية فلها نتائج سيئة."

ماذا أفعل مع طفلى إذا أغلقت التلفاز أو حددت أوقاته؟

ولقد ربى الآباء أولادهم بدون تلفاز من وقت آدم عليه السلام و كذلك تستطع أنت. و لكن اشغال الأطفال بأنشطة طبيعيّة و مفيدة بعيداً عن الوالد الاليكتروني ليس بالأمر السهل ولكنه مفيد و اليكم بعض المقترحات لابعاد أو تقليص الاعتماد على التلفاز كأداة وحيدة لتسلية الطفل.

• اقضي وقتاً مع الأطفال و ليس فقط حولهم فوجودك في نفس الغرفة ليس كافياً

• نعود أنفسنا على التحدث مع أطفالنا و الاستماع إليهم و إن كانوا رضع

• غرفة الطفل ليست مكاناً لجهاز التلفاز أو الانترنت أو غيرهما من الأجهزة الإليكترونية

• اقرأ لطفلك كل يوم حتى يتعلم أنّ الكتب هىّ صديقنا الأمثل و هىّ التي نلجأ إليها لأخذ المعلومات

• اروي للطفل قصص القرآن و سيّر من يصلحون أن يكونوا قدوة بصورة شيقة

• إذا وجدت مكتبة للطفل قريبة فاحرص على التردد عليها و الاستعارة منها فلو أخمدنا التلفاز لحلت الكتب محله تدريجيا

• اجعل الورق و الألوان في متناول يد الطفل فهذه أيسر طريقة لتنمية القدرة الابداعيّة لديه

• لا تفترض أنّ كل الرسوم المتحركة مناسبة لطفلك دون تحرى

• يمكن للأطفال أن يستغنوا عن التلفاز بالكليّة و لكن إذا تعذر ذلك فلنعلمهم أن يفكروا و يحللوا ما يرونه و لا يأخذونه على علته.

و أخيراً فإذا حضر الوالد الإليكتروني للبيت فيجب على الوالد البشري ألا يترك عجلة القيادة أو في هذه الحالة، الريموت كنترول.

انتهى

©مروة صبرى

هناك تعليقان (2):

Khadiga Elhaddad يقول...

I really like this article, thanks Marwa.

i will share it on Facebook in shaa Allah

Marwa Sabry يقول...

أسأل الله أن ينفع بها
مروة صبري